هذه الرواية الفلسفية التي بين أيديكم، هي رواية خياليّة فيما يخصّ حدوثها، لكن خلفيتها تعتمد على ما ورد في كتب سماوية وأحاديث نبوية، ومعتقدات سائدة بين البشر حول الجنّة والنار. هنا أهل الجنة سيرون من نعيمهم كل شيء، ويروننا نحن أهلهم وأقوامهم وابناء وبنات أديانهم.
إذا شاءت حكمة الله أن توجد جنّة، قبل القيامة، لمختارين ممّن تغمّدهم برحمته، فماذا يقولون يا ترى وهم يراقبوننا؟ في هذه الرواية يمنح الرحمن أهل هذه الجنّة القدرة على رؤية الماضي منذ أن خُلق أبونا وأمنا، آدم وحواء، ولكنهم لا يرون المستقبل، وبالتالي يجهلون مصيرنا على الأرض، وبالطبع فهم لا يعرفون موعد يوم القيامة، بل إنهم متردّدون إذا ما كان عليهم تمنّي اقترابها أو تأخيره.
هل تؤثّر مشاكلنا على الأرض في يومهم وفي أفكارهم؟ هل تختلف رؤاهم حول طرق الإصلاح أو الحلول الممكنة للقضايا الأرضية؟ كيف تفكّر نساء الجنّة الإنسيات تجاه وضع أخواتهن على الأرض وتجاه حور العين؟ ثلاثة تساؤلات من عشرات غيرها تتعرّض لها هذ الرواية المفتوحة زمنياً منذ بداية التكوين وحتى ما قبل انتهاء عدوان إسرائيل على لبنان صيف 2006.
ما هو موقف نساء الارض في الجنة من حور العين؟ هل يتقبلن الوضع أم يثرن على الازواج؟ كيف سيُعاقب ابليس في النار؟ هل يستجاب لرغبة بعض سكان الجنة بإحداث قيامة مصغرة لأمريكا وإسرائيل؟ هل أصبح العالم الغربي على الارض يقترب من بعض صفات الجنة في السماء، ولماذا يشد الشباب رحالهم الى هناك؟
الاجابات تأتي على لسان وعبر حوارات شخصيات عديدة مثل عرفات والخميني وياسين وصلاح الدين وقلب الاسد وشمشون وعشترت وهانيبال وجمال وسليمان ورابين وجحا وابن خلدون وريجان ومارتن، وبالطبع هند ونفيسة وليلى وأمامة وأم سلمة وأم عوف وبكارة الهلالية وغيرهم. يسكن هؤلاء في طبقات الجنة المتنوعة حسب شروط وظروف محددة، ويشاركهم ضيوف جلبوا من جنان أخرى ومن الجحيم أو من القبور للاشتراك في مؤتمر فردوسي حول موعد يوم القيامة. يراجعون ويناقشون الماضي ويراقبون الحاضر على الارض، لكنهم لم يمُنحوا نعمة رؤية المستقبل.
إنّ مواضيع الجنّة تهيمن على ذهن كل المؤمنين، والتطرق إلى بعضها بهذا الأسلوب الروائي غير المطروق في السابق، سيبقى ناقصاً حتماً، مهما توسّعت الشروحات. وفي كل الظروف فهذه الرواية كتبت بحسن نية، وعلى أمل تحريك حوار ذاتي، أو جماعي، مفيد في قضايا أرضية حياتية سياسية وفلسفية. أمّا اتخاذ الجنّة كساحة للرواية فقد فتح أيضاً المجال للقاءات لا يمكن أن تحصل في أماكن ومواضع أخرى، وأتاح متابعة شيّقة للماضي ومراقبة للحاضر الأرضي، لنرى أن البشر يدوّرون مشاكلهم ويكرّرونها عبر التاريخ، وأنهم لا يتّعظون.
جاء في صحيح البخاري قول مجاهد، رحمه الله : " لا يتعلّم العلم مستحيٍ ولا متكبِّر". وفي السياق نفسه جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: "نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقّهن في الدين".
